د.ك4.0
كيف تربي أبناءك في هذا الزمان
كو
معاملة الأبناء فن يستعصي على كثير من الآباء والأمهات في فترة من فترات الحياة، وكثيراً ما يتساءل الآباء عن أجدى السبل للتعامل مع أبنائهم. يقول الإمام الغزالي: “إن أطفالنا جواهر”، ويمكننا أن نضيف إلى ذلك فنقول: “ولكن كثيراً من الكبار حدادون”، وهم بحاجة إلى توجيه وإرشاد قبل الأبناء.
ويقول ابن القيم منبهاً إلى أهمية دور الأسرة في التربية: “وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوه صغاراً، فلم ينتفعوا أنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً”. كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: “يا أبت إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيرأً، وأضعتني وليداً، فأضعتك شيخاً”.
ولقد ثبت لدى الباحثين بشكل قاطع تأثير السنين الأولى من العمر في باقي حياة الإنسان، فإحساس الولد بنفسه يأتي من خلال معاملتك له، فإن أنت أشعرته أنه (ولد طيب)، وأحسسته بمحبتك، فإنه سيكون عن نفسه فكرة أنه إنسان طيب مكرم، أما إذا كنت قليل الصبر معه، تنهال عليه باللوم والتوبيخ ليل نهار، تشعره أنه (ولد غير طيب)، فإنه سينشأ على ذلم، ويكون فكرة سيئة عن نفسه، وينتهي الأمر به إما بالكآبة والإحباط، أو بالتمرد والعصيان.
وإذا رأيته يفعل أشياء غير مقبولة، فأفهمه أن العيب ليس فيه كشخص، بل إن الخطأ هو في سلوكه، وليس فيه كإنسان. ومن الأهمية بمكان أن يعرف الوالدان كيف يتجاوبان برفق وحزم في آن واحد مع مشاعر الولد، كما ينبغي أن تكون معاملة الوالدين ثابتة على مبادئ معينة، فلا تمدح اليوم ابنك على شيء زجرته بالأمس على فعله، ولا تزجره إن عمل شيئاً مدحته بالأمس على فعله، ولا ترتكب أبداً ما تنهى طفلك عن إتيانه.
وكثيراً ما تتعب الأم في تأنيب أبنائها الذين لا يستمعون، ويستمرون في مشاحناتهم، أو مشاكلهم مع ابناء الجيران، حتى إذا فقدت صبرها ثارت عليهم وتوعدتهم قائلة: “انتظروا حتى يعود أبوكم من عمله فيؤدبكم”.
ولكن المشكلة أن الأب يعود من عمله مرهقاً، وهو بحاجة إلى الراحة والسكينة في بيته، وما إن يدخل البيت حتى تواجهه زوجته بمشاكل أبنائه قائلة: “إنني أعد أستطيع تحمل الأولاد وحدي فلا بد أن تفعل شيئاً”.
وعلى الوالدين ألا يغفلا قدر الله تعالى، فربما اجتهد الوالدان في التربية ولكن لم ينجحا في ذلك، فلا تقنط يا أخي من رحمة الله والدعاء لأبنائك، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم…”. قال داود عليه السلام: “إلهي كن لابني كما كنت لي”، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود: قل لابنك لكن لي كما كنت لي، أكون له كما كنت لك”. فخذ بيد أبنائك إلى الله، وأنشئهم على محبة الله ورسوله، اغرس في قلوبهم تقوى الله، وساعدهم على أن يبروك عندما تكبر وتشيخ.
وتذكر دوماً أن أولادك أمانة عندك، وأنهم سيغادرون منزلك بعد وقت قصير، فاحرص على تربيتهم وتوجيههم، أعطهم وقتك وانتباهك، إدرس نفسياتهم، وافهم شخصياتهم، فإن ذلك يساعدك في تربيتهم، وإذا مررت بظرف عسير، فاعلم أن ذلك عابر، وإن مررت بوقت ممتع وسعيد، فقدر لهم ذلك، واعلم أنك اليوم معهم، وأنهم في الغد القريب مفارقون، فاستمتع بحياتك معهم، والعمل معهم، ولا تغفل عنهم، فإن أنت غفلت عنهم حدث ما لم يكن بالحسبان ولات ساعة مندم.
يقول العرب: الطفل أبو الرجل. ويعني هذا أنه داخل كل طفل منا توجد ملامح الرجل الذي سيكونه في المستقبل، ويعني هذا أيضاً أن أحداث الطفولة هي التي تحدد جزءاً كبيراً من شخصياتنا واتجاهاتنا.
وفي هذا الكتاب حرص المؤلف على أن يجمع خلاصة خبرة المربين ألأقدمين والمحدثين، إضافة إلى خبرته الشخصية في تربية أبنائه وما استخلصه من تجارب الآخرين.
هذا الكتاب من تأليف حسان شمسي باشا و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها