مرحبا بكم في موقع مكتبة الكويت ( المكتبة هي معبد المعرفة ومنارة الفكر بين رفوعها تتقاطع الافكار وتتلاقي العصور ) الحجز والاقتراحات واتساب 50300046 الشحن الي جميع المناطق ...
الأخلاق عند أرسطو 1/2
التصنيف : فلسفة
دار النشر : دار صادر
ارسطو
وجد في مجموعات مؤلفات أرسطو ثلاث رسائل في الأخلاق، لكن الرأي يُجمِع اليوم على أن رسالتين منها كانتا من تأليف أتباعه، وتبقى الثالثة وهي «الأخلاق إلى نيقوماخوس» لا يتطرق الشك إلى معظم أجزائها من حيث صحة نسبها إلى مؤلفها، لكنك ترى حتى في هذا الكتاب جزءًا (هو الكتب الثلاثة منه — أي الفصول الثلاثة — الخامس والسادس والسابع)، يقول عنه كثيرون إنه أضيف إليه إضافة من مؤلفات هؤلاء الأتباع، لكني مع ذلك سأغضُّ الطرف عن هذه النقطة المختلف في أمرها، وسأنظر إلى الكتاب باعتباره كلًّا واحدة، وباعتباره من تأليف أرسطو نفسه.
تُمثِّل آراء أرسطو في الأخلاق — بصفةٍ عامة — الآراء التي كانت شائعة بين المتعلمين وذوي الخبرة من أهل عصره؛ فليست هي بالآراء المثقَلة بالجانب الديني التصوفي، كما كانت الحال في آراء أفلاطون، ولا هي بالآراء التي تفسح المجال لنظرياتٍ انقلابية، كالتي تصادفها في «الجمهورية» فيما يتعلق بالملكية وبالأسرة، فأولئك الذين لا يقعون في منزلةٍ أدنى، ولا في مكانةٍ أعلى من المتوسط السوي للمواطنين المتصفين بالتهذيب وحسن السلوك، سيجدون في كتاب «الأخلاق» سجلًّا متسقًا للمبادئ التي ينبغي أن يهتدي بها سلوكهم — فيما يعتقدون — أما أولئك الذين ينشدون مستوًى أعلى من ذلك، فسيخيب رجاؤهم؛ إذ الكتاب يناشد أوساط العمر من الرجال ذوي المكانة المحترمة، حتى لقد اتخذته هذه الطبقة من الناس — وبخاصة منذ القرن السابع عشر — وسيلة تطفئ بها حماسات الشباب وفوراتهم، غير أن الأرجح أن يقع هذا الكتاب موقع الاشمئزاز من رجل له من عمق الشعور نصيب مهما يكن نصيبًا ضئيلًا.
ينبئنا أرسطو أن الخير هو السعادة التي هي عبارة عن فاعلية النفس، ويقول أرسطو إن أفلاطون قد أصاب في تقسيم النفس قسمين، قسم عاقل، وآخر لا عاقل، ولقد عاد أرسطو فقسم الجزء اللاعاقل جزأين؛ جزء نباتي (يوجد حتى في النبات) وجزء شهواني (يوجد في كافة الحيوان). ويجوز لهذا الجزء الشهواني أن يكون عاقلًا إلى حدٍّ ما، وذلك حين تكون ألوان المتع التي يسعى إليها من النوع الذي يوافق عليه العقل، فذلك أمرٌ حيوي بالنسبة إلى الفضيلة؛ لأن العقل وحده — عند أرسطو — هو الذي يتصف بالتأمل الخالص، ولا ينتهي بالإنسان — إذا لم يعاونه الجانب الشهواني — إلى أي ضربٍ من ضروب الفاعلية العملية.
وللفضيلة نوعان؛ فضائل عقلية وأخرى خلقية، يقابلان جانبَي النفس. أما الفضائل العقلية فتنشأ نتيجةً للتعلم، وأما الفضائل الخلقية فتتكون بحكم العادة. ومن واجبات المشرِّع أن يصلح من شأن مُواطنيه بتنشئتهم على عاداتٍ طيبة؛ فنحن نكتسب صفة العدل إذا ما فعلنا أفعالًا عادلة، وقُل مثل ذلك في سائر الفضائل، وإذا ما اضطُررنا اضطرارًا على اكتساب العادات الطيبة، فسيجيء يوم — في رأي أرسطو — يصبح فيه أداؤنا للأفعال الخيرة مصدرًا لمتعتنا، وذلك يذكرنا بما يقوله هاملت مخاطبًا أمه: