متوفر دفع اون لاين عبر الواتساب مرحبا بكم في موقع مكتبة الكويت ( المكتبة هي معبد المعرفة ومنارة الفكر بين رفوعها تتقاطع الافكار وتتلاقي العصور ) الحجز والاقتراحات واتساب 50300046 الشحن الي جميع المناطق ...
الرجع البعيد
التصنيف : روايات عربية
دار النشر : المدى
فؤاد التكرلى
يتشكّل المجال الحيوي السردي والتواصلي في رائعة «الرجع البعيد» للراحل فؤاد التكرلي بين ثلاث بنيات سردية، الأولى، البنية الإطارية التي تمثل غلافاً «سيلوفانياً» للنظام السياسي، بوصفه زمناً حقيقياً للنص الروائي، أو تشكّل غلافاً «سيلوفانياً» شاحباً لأثر النظام السياسي في الوقائع كلها، تبدأ السردية الإطارية ببوادر تهكمية وشيكة الانتهاء لمرحلة الزعيم عبد الكريم قاسم في بداية الستينيات، ثم تمضي في إشارات انحدار أكثر، وتراجع أسرع، دون تبيان حيثياتها كأنها عابرة تحت السطح أو ضامرة في الوقائع، وتنتهي بمقتل الزعيم ومقتل شخصية الرواية الرئيسية.
والثانية، البنية السطحية ممثلة بالمجتمع المحلي البغدادي في باب الشيخ، والمناطق القريبة منه، وتتضمن هذه البنية السردية طبيعة المكان وفعاليته الإنسانية، التي تحمل الظلال الروحية والدينية والصوفية الغاربة للقرون البغدادية الوسيطة، إلى جانب الأنوار الشاحبة المكتسبة للقرون المدينية الحديثة، ومن الملاحظ في تاريخ الرواية والقصة في البلاد، بأن هذه المنطقة والمناطق القريبة جداً منها، تعد مركز الروي والقص الحديث في بغداد، يتجلى ذلك في بروز عدد من الروائيين والقصاصين العراقيين، في وقت مبكر مثل محمود أحمد السيد وغائب طعمة فرمان وغيرهما، وهي التجمعات المحلية الأكثر استقراراً في العلاقات المدينية والطبقية وشبه التحولية بين مدن البلاد الأخرى آنذاك.
والبنية الثالثة والأخيرة، البنية العميقة التي تمثل تحرك النزوع الإنساني في مواقف الشخصيات، وظهور فكرة التنافر والأدلجة الفنية التي تعكس مفاهيم جاهزة. وبالقدر الذي يشكّل تماسك وانسجام البنيات السردية الثلاث في ما بينها، فإن قدراً آخر من التفكك والتباين، يتضمن محتوى العلاقات الحيوية التواصلية بين البنى نفسها.
معمار رمزي
تنغمس رواية «الرجع البعيد» منذ بدئها الهادئ في الصفحات الأولى، في مسك العابر اليومي، أو انتقائه وإعادة اكتشافه لكي يؤدي وظيفته الفنية داخل النص، وينمو مع تصاعد الوقائع حتى يغدو كتلة رمزية، تلقي ظلالها العميقة على أنحاء متعددة من البيت، بسلالمه الحجرية الضيقة، وإيوانه المضاء أو المعتم، والزيتونة الصامتة والمطبخ وروائحه البغدادية الفاغمة (الطيبة) والغرف العلوية الأكثر صمتاً، المسكونة بهزيم الصخب البعيد، ورشقات الرصاص في الفضاء القريب، وما إن يتدفق هذا العالم المعيش العادي بكل حيويته الضاجة بالصغار والكبار، وباللغة المحكية الحميمة، حتى تبدأ الرواية بالكشف شيئاً فشيئاً عن وضع إنساني ووجودي، يكتنف الشخصيات الرئيسية (حسين، مدحت، كريم، منيرة) وما تعيشه من صراع واحتدام وأفكار قلقة، وبذلك يستحيل المشهد اليومي المتدفق الى ما يشبه السطح الذي تمور ثم تشف عبر أعماقه عوالم الشخصيات الداخلية، وما سيقع لها لاحقاً من تغيير في المصائر، والصراع الحاد في مواجهة الفناء والحياة معاً.