ترميم الذاكرة: ما يُشبه سيرة
د.ك4.0
إضافة إلى السلةFree
Worldwide Shopping
100%
Guaranteed Satisfaction
30 Day
Guaranteed Money Back
حين نكون في المكان الذي نحبّه ونألفه فإنّنا نكتفي بأن نعيش فيه. إنّنا لا نتذكّره ولا نكتب عنه إلّا عندما نكون بعيدين عنه. سيرة المكان لا تُنجز ولا تُكتب إلّا في مكانٍ خارجه. إنّك لن تستطيع أن تصف المكان وأنت فيه، لأنّك إذ تكون داخله لا تكاد تلحظ تفاصيله ودقائقه التي تتآلف معها وتلمسها كلّ ساعة أو تمرّ عليها كلّ يوم.
إنّنا لا نصف ما نرى، إنّما ما نتذكّر. إنّ الذّاكرة هي من يَصف، هي التي تُعيد صوغ تشكيل الأشياء بعد أنْ نصبح على مسافةٍ كافيةٍ منها، تلك المسافة الضّرورية لإشعال الحنين إليها.
***
يكتب حسن مدن سيرته (ترميم الذاكرة) فيحولها إلى سيرةٍ للكتابة نفسها، إذ يتتبّع قبل الذاكرة طرق وأساليب تشكّلها، فيمزج بين صورة ما كان، وتخطيط كيف يكون، مستحضراً في ذات الوقت عوالمه المتعددة كقارئ ومتأمل، ولا ينسى أبداً أن يشحن كل ذلك بشغفه ودهشته وأسئلته التي تجعل مما يكتب حالة من القلق الجميل الذي لا يركن إلى معنى محدّد في المشهد الذي يستذكره.
يبدأ رحلته بالعودة من المنفى إلى الحنين للوطن، لكنه يتلاعب بالزمن، فيعود أكثر إلى زمن الطفولة والمدرسة، ثم يقفز نحو الصحافة، أو المدن، المقاهي أو الأحداث، في بلدان شتّى، وفي كل ذلك لا يفارقه شغف التفكيك والاكتشاف والبحث، إنه يعيد ترميم ذاكرته من خلال كتابة أجزاء منها، والترميم هنا يحدث بأدوات الكاتب الملمّ بمادته، اللغة التي ينقّلها معه في أيّ زمن شاء، فيعيدها طفلة حين يكون طفلاً، ويقفز بها نحو الحكمة حين تصقله التجارب، ويشحنها بقلق الشباب واندفاعه، وفي هذا الترميم يحظى القارئ بعوالم من السرد الشيّق الذي تملأ الأسئلة شقوقه، وتزيّن المعرفة والاطلاع الواسع للكاتب سطحه الخارجي.