د.ك4.0

سوداء كليلة البارحة فلورنس أنطوني

تصف آي أو فلورنس أنطوني، نفسها بأنها “نصف يابانية، ثمن شوكتية (نسبة إلى قبيلة شوكاتو الهندية)، ربع سوداء، وواحد إلى ستة عشر إيرلندية” تعبيراً عن تنوع جذورها، بين والديها، وإبتعاداً أيضاً عن الإنتماء الحاسم إلى قبيلة واحدة، أو عرق واحد، أو شعب واحد. هذا الثراء لناحية الجذور كان له أثره الكبير على شعر “آي”، التي أسمت نفسها كذلك منذ بداية حياتها الشعرية منتحلة الكلمة اليابانية التي تعني “حب”، فيحتشد شعرها القائم بالدرجة الأولى على المونولوغات التراجيدية، بالشخصيات من الثقافات والخلفيات الإجتماعية المختلفة.
تميل “آي” في شعرها إلى الشخصيات الدراماتيكية من أمثال عائلة كنيدي وإدغار هوفر ومارلين مونرو وجيمس دين وياسوناري كواباتا وميشيما وغيرها. هذا حين تكون شخصياتها عامة، لكن الشخصيات “العادية”، الحقيقة أو المتخيلة، تتخذ كذلك في شعرها موقعاً مهماً، حيث نجد على امتداد مجموعاتها منذ العام 1973 شخصيات اجتماعية دراماتيكية نافرة، وغالباً ما تكون شريرة، من قتلة ومهووسين بالجنس ومغتصبي أطفال، ورجال دين خطأة… إلخ. شخصيات من قاع الجحيم تستحضرها الشاعرة وتنطقها بكل ما تحتمل من تناقضات ورغبات ونوازع ومآس، لكنها لا تحاكمها على الإطلاق، أي لا تتخذ منها موقفاً إجتماعياً أخلاقياً، إذ في الأفعال الشريرة لهذه الشخصيات تكمن الحقائق البشرية المعتمة والخفية.

دراسة وقارئة للأدب الياباني، مولعة بشكسبير خاصة في أعماله المأساوية، تبحث “آي” باستمرار عن النواحي المعتمة في ذاتها وفينا. ترفض ما يسمى في الشعر الأمريكي ب “الشعر الإعترافي” الذي ساد فترة طويلة، وما زال، وهو شعر يقوم بالدرجة الأولى على البوح الذاتي، لكنها في الوقت نفسه تضمن شخصياتها شيئاً منها، لكن هذا كما تؤكد في مقابلات كثيرة ليس سمة دائمة. ففي أحيان كثيرة تدع الشخصية تتكلم بنفسها من دون أي تدخل منها. وهي تشبه نفسها بالممثلة، لا الكاتبة المسرحية، فهي تتقمص شخصياتها، حتى تصبح هذه الأخيرة جزءاً لا يتجزأ منها، والشعر لديها يتولد بالتالي من الحكايات التي يمكن أن تحملها هذه الشخصيات.

ما يميز شعر آي ضمن النتاج الأمريكي المعاصر هو في كونه يختصر نمط الحياة والثقافة الأمريكيين بكل ما فيهما من عنف ومجانية وقسوة وتناقض وإزدواجية، وهي كثيرة الإعتماد على التلفزيون الذي يختزل كل ذلك بطريقة نموذجية، وتستعمل أو تكاد اللغة اليومية المحكية، لغة الشارع، وهذا ما يجعل منها شاعرة شعبية “من دون أن أتنازل عن تطلبي الشعري”، كما تقول. غير أن رحلتها الشعرية وإذ تتجذر في الحاضر الأمريكي، تغوص أيضاً في التاريخ، فعنف اليوم ليس إلا نتيجة وتجل لأزمات ثقافية طويلة ومتشعبة، فهي تطرح الأسئلة الموجعة إذا جاز التعبير على الأسس الأمريكية، ولا سيما قيم الفردية والعدالة والحرية والديمقراطية التي تشكك فيها جميعاً، وتعود إلى أزمنة الأزمات (الحرب الأهلية، فييتنام، العنصرية، محاكم التفتيش في الخمسينات…إلخ)، لكنها ليست شاعرة سياسية بالمعنى الذي نعرفه، أي أنها لا تستخدم الشعر من أجل بيان أو فكرة دعائية حتى ولو كانت هذه الفكرة إنسانية. هناك دائماً العنصر الجمالي، السردي، كيفية تقطيع القصيدة، إيقاعاتها، والصعود بما يبدو مبتذلاً في اللغة والحياة إلى ذرى مأساوية معبرة.

د.ك4.0

Add to cart
Buy Now

Free

Worldwide Shopping

100%

Guaranteed Satisfaction

30 Day

Guaranteed Money Back

Top Img back to top