د.ك4.5
أثر المعتزلة في الفكر الإسلامي الحديث عمّار بنحمودة
تك
كم يبدو من العسير مقاربة فكر حديث في علاقته بفكر قديم، لأن أول إعضال يعترض الباحث يتمثل في إختلافات السياقات الحضارية، وبما أن الأفكار في كل عصر لا يمكن أن تنعزل عن الواقع مهما ادعت لنفسها التعالي، فإن الأعضال يصبح أعقد ما دام كل عصر يعيش مشاكله الأنطولوجية والأبستمولوجية.
ومن هنا، أيضاً قد ينشأ لب القضية التي يقبل الباحث على مقاربتها في هذه الدراسة التي تتناول بالتحديد أثر المعتزلة في الفكر الإسلامي الحديث، محمد عمارة أنموذجاً؛ وإلى هذا فإن البحث عن أثر المعتزلة في فكر محمد عمارة، وكما يرى الباحث، لا يمكن أن يتملص من أرضيته الجدلية التي تأسست في إطار صراع أفقي على الحقيقة.
لذا، فسيسعى إلى فهم مفاصل هذا الجدل أي بنيته، ثم التعمق في فهم فهم خلفيات كل فريق يخوض الصراع في حلبة “النهضة”، في مسعىً إلى دراسة وصفية تنظر في الميادين التي أثارت الجدل، وبما أن جدل الأفكار ما هو في النهاية إلا جدل مؤسس على الواقع، بل ومؤسِّس به، فسيحاول الباحث وأثناء كشفه لخلفيات الخطاب إدراك ما وراء الآراء من وقائع في العالم؛ سواء أكانت متعلقة بأحوال العرب المسلمين أم الغرب ذاته.
وبما أن البحث متصل بمقاربة فكر حديث في علاقته بفكر قديم، كان من المفيد المنهل من المقاربات اللسانية للخطاب، ومعرفة التحول الذي شهدته نصوص المعتزلة، بإعتبارها “أخباراً” صاغها محمد عمارة “خطاباً، وإستطاع بها أن يتجاوز نصوص المعتزلة الأوائل، بإعتبارها “وجوداً بالقوة”، لتصبح في خطابه “وجوداً بالفعل” يتأسس داخل فكر معاصر يدعي لنفسه الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها الواقع على الكاتب أو يطرحها الكاتب على الواقع.
وهذا التحويل اللازم الذي يقلب “لغة” المعتزلة “كلام” يتبناه محمد عمارة يتأسس على عملية تأويل، وهو ما دعى الباحث إلى الإستعانة بأعمال سيميائية توفر له سبيلاً منهجياً لتفكيك الخطاب وفهمه، كذلك، كان من اللازم في هذا البحث النفاذ إلى هذا الفكر الديني الذي يقدم، في تصوره، الحقيقة المطلقة والنهائية فيتمثلها في صيغة أشبه بحقيقة سماوية لا تقبل الدحض والتعديل والنقاش؛ لهذا، كان لجوء الباحث إلى المنطق التفكيكي الذي اتبعه “جاك دريدا”.
وعلى هذا يمكن القول بأن هذا البحث هو في وجه من وجوهه دراسة لعلاقة الإسلام بالحداثة، لأن محمد عماره لم يقارب الفكر الإعتزالي بإعتباره مجرد حدث تاريخي، ولكنه مشروع لرؤية تواجه أسئلة النهضة ومشاكل الحداثة.
وإلى هذا، فإن الباحث يرى أنه، ورغم ما تتخذه مقاربة محمد عمارة للفكر الإعتزالي من إطار تاريخي نزعت فيه المعرفة الإنسانية إلى القطيعة التدريجية مع كل ما هو أسطوري؛ إلا أن حضور المتخيل في خطابه يبدو لافتاً للإنتباه مستدعياً مثل هذه المقاربة، لأنه يعتمد التراث في مقارباته بكل ما يحتويه ذلك العصر المرجع من خلفيات أسطورية وحضور قوي للمتخيل، مضيفاً بأن ذلك إنما يتجلى في مقاربته لمفهوم العقل، أو في رسمه نماذج ثورية من الماضي، أو في تصور الثورة وفق نواميس تراثيه تتجاهل مثلاً “العلاقة بين الإقتصاد وعلم الإجتماع التي قادت على إستنتجات متنوعة”.
وسؤال يجده الباحث ملح على البحث: ما الذي أسهم في توجيه نظر محمد عمارة صوب المعتزلة دون بقية الفرق؟ هل كان إتجاهه إلى هذه الغرفة نظراً وتحقيقاً وتأويلاً فتحاً أثرياً يخرج كنوزاً لم يسبقه إليها باحث، أم أنه اهتدى في ركاب السالكين بأقطاب من الفكر سبقوه ووضعوا منارات فوق آثار المعتزلة جعلت السائر يرى في ضيانها نوراً يهتدى به في زمن أسئلة العصور المظلمة للفكر الإسلامي وذهاب ريح الغلبة مع إنهيار آخر الإمبراطوريات الإسلامية؟!.
لعل القارئ يجد في ثنايا هذا البحث ما بإستطاعته الإجابة عن هذا السؤال.