د.ك3.5
الاعمال الشعرية الكاملة سنية صالح
تك
(( ليس لي أي طموح من أي نوع كان . أنا أعجز من أن أغير العالم أو أجمّله أو أهدمه أو أبنيه ، كما يقول بعض الشعراء . أحس أنني كمن يتكلم في الحلم . ماذا يؤثر في العالم الكلام في الحلم ؟ وباختصار ليس لي أي طموح من أي نوع كان . فقط أسترخي وأترك زحام العالم يتدافعني كشيء صغير جدا ولا وجود له ، إنما أحتفظ لنفسي بحرية الحلم والثرثرة ))
( سنية صالح )
( حديث بمناسبة فوزها بجائزة جريدة ” النهار ” عام 1961 )
عن دار المدى صدرت مؤخرا الأعمال الشعرية الكاملة للشاعرة السورية الراحلة ” سنية صالح ” ضمت مجموعاتها الشعرية :
-الزمان الضيّق
– حبر الإعدام
– قصائد
– هذيان
– طوروس القلقة
– ذكر الورد .. وغيرها
مع ” قصائد غير منشورة ” ..
وقد قدمت للأعمال الناقدة المعروفة ” خالدة سعيد ” وهي شقيقة الراحلة ، فجاءت مقدمتها معبرة عن معايشة إنسانية حقيقية فوق أنها أمسكت وباقتدار بالمفاتيح الفنية والرمزية الأساسية لفهم المنجز الشعري لسنية صالح التي أهدت شقيقتها مجموعتين شعريتين . تقول خالدة :
( في شعر سنية صالح عالم معطوب ورؤيا جامحة ، حتى أنها قادرة في توترها على الضحك وقادرة على التشعث . في شعرها فوران سديم وأحشاء غاضبة وخيال طفولي . أقول هذا لمجرد التوكيد ، مرة ثانية ، على اختلاف هذا الشعر وجدته وخصوصيته دون أي استهانة بما عداه . إنها من هؤلاء الشعراء الذين الشعر عندهم كالأمومة ، فعل وجود . وهي ألقت بكيانها في الشعر . كان فعلها السياسي والعاطفي وكان حربها وصراخ جسدها وروحها . كان ثأرها وخشبة الخلاص . هو شعر على حدة لا يشبه أحدا وليس منضويا في تيار . شعر لحزن مستوحش بنبجس من الجوهر الأنثوي الخالق المطعون المسحوق عبر التاريخ . شعر هو صيحة جسد الأنثى نبع الحياة ، الجسد الذي عبر فوقه الأباطرة والبطاركة .. وكل ذي سلطان . ولسجنه واستغلاله وحتى تشويهه ووصمه بالنجاسة أو الخطيئة غيّروا حكمة الطبيعة وجيّروا كلام الشرائع . هذا الشعر بقدر ما ينشد حكاية المغدورين يتقدم كصيحة للجسد الذي انتهى بين المباضع وآسرة المشافي ) .
book_snia-saleh(( أيتها اللؤلؤة
نمت في جوفي عصورا
استمتعت إلى ضجيج الأحشاء
وهدير الدماء
حجبتك طويلا
ريثما ينهي التاريخ حزنه
ريثما ينهي المحاربون العظماء حروبهم
والجلادون جلد ضحاياهم
ريثما يأتي عصر من نور
فيخرج واحدنا من جوف الآخر ))
( من ديوان قصائد )
(( يا ابنتي
” شام ” الملولة
أو ” شام ” التي تهب مسرعة إلى العمل
شام الإنبهارات
لست معك
ولن يلتقط شعري عذوبتك
فأنا مشوشة بالخسارة
أستنجد ببراءتك
بضعفك الطفولي
وأصلي بحرارة ويأس
كي يصير قلبي الضعيف بحجم قدميك ))
( من قصيدة مليون امرأة هي أمك )
(( تحت ضوء القمر أحببتك
وتحت ضوء القمر أحبت الله وأمي
وخرير الماء ؛ الماء الحقيقي
لكن روحي المشققة كأرض الزلازل
لا يرويها شيء
أعرف أن الحب يأتينا عنوة
دون أن نتهيأ له
وأن المشدوهين والحزانى واليائسين
واللامبالين
جميعهم :
يقعون فرائس للحب
كالآخرين
حتى الأسرى
الأسرى المساقون للموت
الأسرى الذين انحدروا من جبال طوروس
كانوا أيضا يحلمون بالحب
لكنهم ذُبحوا وأُهملوا على السفوح ))
( من قصيدة خريف الحرية )
… ويبقى تساؤل أخير موجع يثور في الذهن بعد أن نقرأ ببصيرة نقدية حادة الأعمال الشعرية الكاملة لسنية صالح وهو :
هل أثر كونها زوجة للشاعر الكبير ” محمد الماغوط ” وطغيان حضوره وكونها عاشت معه حياة غير شعرية في بعض المراحل من زواجهما في حصولها على الإهتمام النقدي الذي يوازي منجزها الشعري الباهر ، في مجتمع تتحكم القيم الإقطاعية الذكورية فيه حتى بسياقات العمل والتقويم في الحياة النقدية ؟ إن قراءة نقدية منصفة لمنجز سنية صالح ستوصلنا إلى نتيجة محكمة – نقولها بلا تردد – ومفادها أن قامة سنية صالح الشعرية توازي قامة محمد الماغوط الشعرية .