السعر الأصلي هو: د.ك4.0.د.ك3.5السعر الحالي هو: د.ك3.5.
الغجر : ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب
كو
تقول الأسطورة الغجرية : ” قرر الإله ذات يوم صنع إنسان ، مستخدمًا قطعة جير ، صنع التمثال الأول و وضعه في الفرن لينضج ، غير أن الإله نسي ما وضع في الفرن ، و ما إن تذكّر حتى عاد ليجد التمثال قد احترق و أصبح أسود .. فكان الإنسان الأسود الأول . ثم بدأ بصنع تمثال آخر ، و خشية من احتراقه أخرج التمثال قبل أوانه ، فكان الإنسان الأبيض الأول . و في المرة الثالثة نجح الإله في مراقبة التمثال جليًّا وهو ينضج داخل الفرن ، ليكون الإنسان ذا البشرة السمراء .. وهو الغجري الأول ”
لعل هذه الأسطورة الغجرية التي تنظر للإنسان الذي اعتنى به الإله في فرنه فكان الإنسان الغجري الأول أسطورة حالمة وهي تنظر للغجري على أنه النسخة المثلى للإنسان و خير ما صنعه الإله ، و كأنها ( الأسطورة ) تخبّئ وراء حلمها سيرة عذابات من إقصاء و تهميش و تعذيب و حرمان و عذابات لا تنتهي عانى منها العرق الغجري ليجوب أصقاع الأرض باحثًا عن كرامته و هويته الضائعة .
يؤكد الباحث العراقي جمال حيدر في كتابه الذي اتخذ شكل التحقيق الصحفي ( الغجر .. ذاكرة الأسفار و سيرة العذاب ) بأن الدراسات تشير إلى أن موطن الغجر الأصلي هو الهند .
تعرض هذا العرق للغزو من قبائل شمال الهند حين حدثت انكسارات حادة في أعراق و أجناس تلك المجتمعات فغادر بعضعها باتجاه الجنوب ليمروا بمناطق الغجر و غزوها و استولووا عليها ، فاضطر الغجر إلى مغادرة الهند مرورًا بإيران و أفغانستان منطلقين إلى روسيا و أوروبا و المنطقة العربية و أفريقيا و القارة الأمريكية لينتشر ملايين الغجر حول الأرض منذ قرون طويلة .
لعلّ في سلوك الغجر -نتيجة المعاناة و الحرمان التي رافقتهم في مسيرة عذابهم – عادات سيئة مثل السرقة و الشعوذة إلا أن الحرمان و التهميش الذي مورس ضدهم ساهم في ترسيخ الكثير من عاداتهم السيئة و السلوكيات المنحرفة .
بل أُلصقت بهم الأكاذيب كسرقة الأطفال ، و أطلقت عليهم الخرافات حين أجرى بعض الأطباء في أوروبا فحصًا لعينات من دمائهم ليتهم الغجر بأن دمائهم مختلطة بدماء غير بشرية .
لم يعرف الغجر شكلًا هانئًا للحياة أو شيئًا من مظاهر الرخاء فالبؤس هو إرثهم الذي توارثوه جيلًا إثر جيل .
في كل أصقاع الأرض مورس ضدهم التمييز و الحرمان من حقوق العيش لكن أقسى و أخطر مرحلة عايشها الغجر هي ( الهولوكوست ) في ألمانيا في العهد النازي حيث تم حرق مئات الآلاف منهم في أفران الغاز لا لشيء سوى أنهم غجر و أنهم عرق بشري رديء كما يراهم النازيون
و لم يفرّق النازيون في حرقهم للغجر في أفران الغاز بين طفل أو امرأة أو شيخ ما عدا الشباب و اليافعين ليُستفاد منهم كأياد عاملة و في الأعمال الشاقة ليستخدموا كعبيد .
ملامح حياة الغجر متشابهة و تصل إلى حد التطابق أحيانًا رغم تواجدهم في أقطار مختلفة .. و يعزى ذلك لكونهم رفضوا التعليم لكي لا تندثر عاداتهم و تقاليدهم ،، لكن في العصر الحديث انصهر الغجر بالمجتمعات التي عايشوا وتأثروا بها و أثروا فيها ، وعرف منهم العديد من الفنانين و الشعراء .
و رغم المعاناة شديدة الوطأة عليهم إلا أن حياتهم مليئة بالموسيقى ، مشحونة بالرقص و الغناء .
لكن غنائهم لابد و أن يستحضر معاناتهم و اضطهادهم من الأعراق الأخرى .
تقول أغنية غجرية :
” أفضّل أن أكون مطرقة بدلًا من مسمار ..
أجل أفضّل ،
لو كنتُ أستطيع لفضّلت ”
و يقول الشاعر الغجري ريسم سدجيك :
” ما زلتُ أذكر
جلتُ العالم برفقة خيمتي
أبحث عن الحب و العاطفة
عن العدالة و السعادة
……
كبرت
و لم أجد الحب بعد
و لم أسمع مفردة العدالة
إذن .. أين تكمن حقيقة الغجر “