د.ك4.0
المرأة المحطمة
((المرأة المحطمة))، ثلاثية روائية قصيرة مثلت علامة فارقة في عالم سيمون دو بوفوار الإبداعي، حيث قطعت بها مع كتابة السيرة للمرة الأولى، لتدخل عالم المتخيل، عالم الآخرين من وجهة نظر محايدة. ولئن بدا أن الكاتبة قد فسحت المجال لثلاثة نماذج من النساء للتعبير عن أنفسهن بحرية وحياد كما أسلفنا، فإنها في الواقع قد منحتهن قلمها وهمومها لتبدي من خلالهن رأيها في الوجود وفي أعداء المرأة الثلاثة : المجتمع والأخرى والسن. جراحة دقيقة نجحت فيها سيمون دو بوفوار بأسلوبها السلس والسهل والعميق، وبفلسفتها الملموسة للجميع. هي روايات قصيرة لكنها قاسية ومؤثرة للغاية، حاولت فيها المرأة وبكت وتوعدت وتمزقت وخارت قواها وقاومت وانهارت في الأخير، لكن لاتهرب أيها الرجل، هذه ليس كتابة نسوية مبتذلة حيث المرأة تصرخ في سعار غير مفهوم مطالبة بالألوهية على الأرض، نحن إزاء واحدة من أعظم وجوه الثقافة الفرنسية، التي لم تكتسب لقبها محاباة أو مجاملة، بل لأنها كشفت للمجتمع وللمرأة على وجه الخصوص عيوبها وجانبها من المسؤولية في فشلها أو عجزها أو تشييئها. لقد تحدثت عن العلاقة الزوجية، ما يعني أن الرجل سيجد نفسه أيضا في هذه الروايات، سیری نفسه بعيون نسائية، سيكتشف أنه رجل لأن المرأة في الوجود، فكأن نجاحه ورغباته وثراءه وقوته ميتة بلا روح لولا المرأة. فهي التي إن شاءت كانت السائل الذي يتخذ شكل الإناء أو الخزّاف الذي يحدد للإناء شكله. ألم تقل دو بوفوار في إحدى المناسبات عبارتها الشهيرة : « نحن لا نولد نساء، نحن نصبح كذلك »، ما يعني أن كلمة امرأة ليست مجرد تمییز جنسي سطحي، بل صفة إنسانية واستحقاقا وإنجازاً، قد ينجح وقد يفشل كأي إنجاز آخر. كاتبة بهذا الوزن والوعي بالطريقة المثلى لتوعية النساء، لن تسقط في المرافعة والدفاع عن حقوق المرأة من خلال التحدث نيابة عنها، بل بنقدها وجعلها تكتشف أخطاءها وحثها بسحر المحاكاة القصصية على مراجعة طريقتها في التفكير. وشخصيا لا أرى أبلغ للفكرة من أن تجعل فئتك المستهدفة ترى نفسها وهي تضطرب على مسرح الحياة .