د.ك5.5
المعلم ومرغريتا ميخائيل بولغاكوف
إن قراءة رواية مثل المعلم ومارغريتا مثل الدخول في حفلة صاخبة فيها أنشطة مختلفة وأنت تقف في المنتصف حائرا ولاتعرف ماذا تفعل بالضبط هذا كان حالي في وأنا أقرأ صفحات الرواية إلا إن المرحلة الهامة هي تلك التي تأتي بعد أن تغلق آخر صفحة وتفكر ماذا حدث بالضبط وأين كنت وأين ذهب كل هؤلاء المجانين ! بولغاكوف لديه مخيلة واسعة ولا أشك أن كتابته في المسرح ساعدته على أن يكتب بهذا الأسلوب الصاخب حتى إنك تشعر إن هناك ممرات سرية في مخيلة هذا الكاتب ليس سهلا أن تجدها ، إن رواية الشيطان يزور موسكو ممكن أن تقرأ برؤى عديدة لشدة ما ممكن أن تثيره من جدل بسبب فانتازيا القصة وعوالمها السحرية شخصياتها التي تقف بين النور والعتمة ، الحكمة والحماقة ، الحب والكراهية ، الوفاء و الخيانة ، الفرح والحزن ، الخدعة والطرفة رواية متشابكة متداخلة وهي من الروايات الفريدة والتي توضع في خانة الروايات العبقرية لأنها جمعت ما بين الخيال السحر والدين الفلسفة والسخرية .. هناك زمنين في الرواية أحدهما واقع حاضر وآخر ماضي قادم من التاريخ وهناك عدة أبعاد في الرواية البعد الفلسفي وهو يظهر فلسفة الكاتب تجاه الشر والخير ، تعاطى الشر مع الخير ، و حتمية العقاب وهذا المسار كان يقوده الشيطان وزمرته ، البعد الثاني صراع الضمير والصوت الداخلي لبلاطس البنطي بعد دوره في تعذيب المسيح وصلبه ، والبعد الثالث وهو قصة الحب والوفاء والتفاني في علاقة المعلم ومارغريتا .. قارىء الرواية يلاحظ أن كل مسار من هذه المسارات الثلاثة تتقاطع وبولغاكوف خلال الزمنين كان يوجه الأنظار للحياة اليومية وطبيعة المجتمع والعادات في روسيا لتنال حظها من السخرية والنقد اللاذع ! تبدو الرواية كأنها شبكة بالغة التعقيد وعلى القارى المسكين أن يعرف مبتداها ومنتهاها وهي ليست بالعملية السهلة أمام تعدد الرواة و الإنتقالات الزمنية والتحولات الفجائية التي تجري للشخصيات على حين غره فمارغريت مثلا تتحول من تلك المرأة الحنونة والمحبة والغارقة في الأسى إلى ساحرة عارية تطير على مكنسة وتضحك بصوت هستيري مارغريت التي باعت روحها للشيطان من أجل الحب تمثل هذه القيمة النبيلة والتي يرفع بولغاكوف من شأنها في الرواية ويسخّر السحر والشياطين لأجل إعلاء كلمتها .. بولغاكوف يطرح أفكارا شرسة تبدو كمخالب قطه الشرير .. تلفت نظرك منها مشاهد عري المرأة مثلا في الرواية وتتسائل لماذا النساء في أغلب المشاهد التي سيطر عليها السحر بدون ثياب ( ربي كما خلقتني ) كما يترجمها المترجم .. ظللت أفكر وأحاول أن أجد تفسيرا هل كان هذه العري يعكس حس النكتة لدى بولغاكوف أم إنه تعبيرا عن الحرية والخروج على القوانين الإجتماعية ! أو لعل الأمر يعبر عن الشجاعة .. إذ إن بلغاكوف ما فتأ ينتقد ويذم الجبن ويعتبره أسوء صفة ممكن أن يحملها إنسان حتى حسبته أحيانا يعنيني أو يعلم عني .. أو ربما هي البدائية الأولى ببساطتها وخلوها من تعقيدات الحياة أو لعل الأمر يأخذ تفسيرا دينيا أو إجتماعيا مرتبطا بكون المسيح يغطي عري الفقراء ويکسو عظامهم ويحميهم من المجاعة وأن تصنيف المرأة يقع في تلك الخانة ! إن الأفكار التي تطرحها الرواية هي ليست تلك التي نقرأها فقط ولكنها أيضا تلك التي تختبأ بين الأسطر و القارىء الذي يقرأ رواية مارغريتا والمعلم قد يخرج بأفكار عديدة قد لا تخطر لي أو لغيري ولا أعلم إن كان يصح لي أن أشبه الرواية بجريمة قتل كل قارىء يظن أنه يعرف من هو القاتل بل ولديه الأدلة والإثباتات وحين ينظر من وجهة نظر قارىء آخر قد يرى أدلة أخرى لا تقل أهمية عن الأدلة التي يدعي إنها بحوزته .. ولعل هذا الأمر يزيد من غموض الجريمة أعني الرواية ويزيد من حالة الجدل والتفسيرات ويدفع عشاق القراءة لإعادة قراءة الرواية لمزيد من الفهم والمزيد من المتعة والرغبة في الإكتشاف .. وعلى الرغم من الخيال الجامح الذي امتلكه بولغاكوف نهاية الرواية باردة نوعا ما لا أظنها كانت بمستوى الإثارة الذي عاشه القارىء طوال صفحات الرواية إنها تشبه تماما أن يعود شخص من تلك الحفلة الصاخبة ويلقي بنفسه على السرير لينام !