د.ك5.0
ديوان جرير
“جرير 653-732م” هو جرير بن عطية الخطفي، نشأ في اليمامة، وفيها مات ودفن، وكانت نشأته في أسرة ليست على شيء من الجاه والشرف والثروة، وعلى ذلك فقد فاخر بها وبأبيه الشعراء الكثيرين الذين تعرضوا له بالهجاء، فأخزاهم جميعاً، ولم يثبت له إلا الأخطل والفرزدق. وقد اختلفت الآراء في أيّ هؤلاء الشعراء الثلاثة أفضل، فكان لكل منهم حزب يفضّله ويتعصب له، غير أن المعول عليه هو أن الأخطل كان أمدحهم، والفرزدق أفخرهم، وجرير أهجاهم وأنسبهم، وأجمعهم لفنون الشعر.
والتحم الهجاء بين أعضاء هذا المثلث الأموي زهاء أربعين سنة. فكان هجاء الفرزدق وجرير مملوءاً فحشاً وتقهراً وتعبيراً، أما الأخطل فكان نزيه الهجاء. غير أن جرير على فحشه وإقذاعه في هجائه، كان عفيفاً في غزله، متعففاً في حياته لا يعهر ولا يشرب الخمر، ولا يشهد مجالس القيان؛ يتظاهر بالتدين والتعصب للإسلام، وكثيرا ما عيّر الأخطل بدينه، والفرزدق برقّة دينه. وكان إلى ذلك أنوفاً، لا ينام على ضيم، يتتبع في هجائه مساوئ خصمه أما يعده فيه من نقائص، فيعيره ويهجوه بها. وإذا لم يجد شيئاً يشفى غلّته اخترع قصصاً شائنة وألصقها بمهجوه، وعيره بها، كان جرير يستهل أكثر قصائده المدحية والهجائية بالغزل التقليدي، وأجمل غزله وأرقّه عاطفة، وأصدق شعوراً، ما قاله في زوجه خالدة، أم حزره؛ ولا سيما قصيدته النونية، التي يظهر منها أنه كان يحب خالدة حباً شديداً، وقد رثاها لما ماتت بقصيدة رائية يخيل إلى من يقرأها أن دموع الشاعر تترقرق فيها، وعاطفته المخلصة تتدفق منها. وشعره على رقته وهلهلته في الغزل والرثاء، لا يقل، في أكثر مدحه وهجائه، خشونة وإغراباً عن شعر الفرزدق، ومعانيه وعناصر تعبيره ومواد فخره هي هي في كل قصائده.
وهذا الكتاب من سلسلة “ديوان العرب” يجمع بين دفتيه شعره الذي يعدّ وثيقة تاريخية للأيام التي انتظر فيها قومه، وخُذل فيها إعدادهم إلى غير ذلك مما يتعلق بتلك الأيام، أضيف إليها الخطوات السياسية التي تبرز سياسة الخلافة والقبائل والأحزاب، والاجتماعية التي تشيد بالأخلاق المحمودة، وتشين الأخلاق المذمومة، وبعض غزل الشاعر الوجداني ورثائه العاطفي المتفجع، وما عنده من لمحات صافية في الهجاء الساخر العاطفي، والتصويري الذي لا يُسفّ، هي التي تركز عليها قيمة ديوان شاعرنا الحقيقية.