د.ك4.5
رحلة حاج عصري إلى مكة في أواخر العهد العثماني
لمَّا كنتُ رئيساً للجمعية الجغرافية الملكية، طلب مسافرٌ رؤيتي بخصوص مقترح استكشاف قِفار شبه الجزيرة العربية. ودخل إلى غرفتي شابٌ متوسط الطول أو دون المتوسط.وأُلقي في روعي والحديث دائرٌ بيننا أن أنصحه وأحدِّثه عن جرأته في القيام برحلةٍ استكشافيةٍ مثل تلك، غير أنه قال بنبراتٍ هادئةٍ: “كنتُ حقاً في مكة والمدينة متخفياً”. وكانت زيارته في تلك الأيام مغامرةً خطيرةً مثل أي مغامرة يمكن أن يختارها. وسُجِّل النجاح الَّذي توج جهوده عام 1908 في هذا الكتاب، وهو عمل لا يحتاج إلى مقدمة. وإن لم يُفتن أي من قرّائه بأسلوب كلامه وأسلوبه في سرد الحكايات، أو فَشِل في تقدير ومضات الفكاهة عنده، أو لم يضطر إلى متابعته في مغامراته من خلال الاهتمام بقصته، فلا شيء يمكن أن أقوله في مدحها. ستثير كتاباته انتباههم، ومن ثمَّ لن أقول شيئاً.
حُثَّ هذا الحاج المعاصر على نشر تقريرٍ عن حجته بعد زمنٍ من عودته من مكة، ولم يكن رجلاً يسهل تعرفه ممَّن هو أسنّ منه؛ فهو رجلٌ خجولٌ، يتنزَّه عن الكلام، وخصوصاً في صحبة العموم. ولكن ذكاءه وفطنته يظهران أحياناً حتى في هذه الظروف، سواء رغبَ في ذلك أمْ لم يرغب.
وكان يُتقن اللغة العربية إتقاناً كبيراً، ويعرف العامية الفرنسية، والإيطالية، والسواحيلية معرفةً دقيقةً، وكان من ذوي البَسطة في الطب، في حين أنه امتلك الصفات العديدة اللازمة لجعله رجل أعمال محنكاً خبيراً. ونقول مرةً أخرى، إن هذه المؤهلات وهذا التحصيل لم يعرفها خير معرفة إلَّا من قابله في الأراضي النائية البعيدة.
ولد آرثر جون باينغ وافيل في 27 أيار من سنة 1882، وهو سليل أسرةٍ محاربةٍ؛ فأبوه العقيد إيه. إتش. واڤيل خدم في شبه جزيرة القرم وهو ما يزال صبياً، ثمَّ شارك بعد ذلك في أكثر من حملةٍ في جنوب إفريقيا، في حين خدم جده الجنرال إيه. جي. واڤيل في شبه الجزيرة وفي أماكن أخرى. أمَّا من جهة أخواله، فهو سليل أميرال ذائع الصيت يحمل الاسم نفسه.
تلقى واڤيل تعليمه في وينشستر وساندهيرست. وبعد انضمامه إلى الفوج الويلزي في سنة 1900، أبحر إلى جنوب إفريقيا في السنة نفسها، وهكذا انخرط في الخدمة الفعلية قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من عمره، ومثله في ذلك مثل والده.