د.ك7.5

كتاب اللاطمأنينة فرناندو بيسوا

تك
من خلف الألوان الشاحبة للصيف المنتهي، برزت، في مصادفات الأماسي، تلوينات أكثر نعومة من السماء الواسعة، لمسات من نسيم بارد يعلن عن تقدّم الخريف. لم يكن قد حان أوان اصفرار الأوراق أو سقوطها، ولا حان أوان تلك الغمّة المصاحبة لإحساسنا بحدوث موت خارجي، هو موتنا نحن كذلك. لقد بدا كما لو أنّ الأمر يتعلّق بِعياء في جهد الوجود، بنعاسٍ مُبهم طارئ على الحركات الأخيرة للفعل.
آه، إنّها أماسي لا مبالاة مُمِضّة تجعل المساء يبدأ فينا نحن، قبل أن يحلّ في الأشياء. كل خريف يأتي هو أقرب إلى الخريف الذي سيكون لنا، وكذلك الصيف؛ لكن الخريف، يذكّر، بما هو خريف، بنهاية كل شيء. بينما في الصيف؛ من السهل ملاحظة نسياننا ذلك. ليس بعدُ أوان الخريف، لم يظهر بعد في الأجواء اصفرار الاوراق المتساقطة أو الكآبة الرطبة للزمن الذي سيغدو شتاء فيما بعد، لكن ثمة بصيصاً من كآبة مسبقة، قلق مُرتدي لأجل الرحيل، في الإحساس في صميم الإحساس الذي نحن فيه منتبهون إلى الانتشار الملوّن للأشياء، إلى النبرة الأخرى للريح، إلى الهدوء الأقدم الذي ينسحب، عند نزول الليل، بالحضور الحتمي للكون كله…
أجل كلنا سنمضي، بالكل سنمضي. لن يتبقى شيء مما استنفذ الأحاسيس أو القفازات. لن يتبقى شيء مما تبودل من كلام عن الموت وعن السياسة المحليّة. وكما أن ضوءاً واحداً يضيء أوجه القديسين.. كذلك انعدام الضوء نفسه سيترك في العتمة ذلك الهباء الذي سيبقى ممن كانوا قديسين.. في الدوامة الشاسعة، كدوامة الاوراق اليابسة، حيث يرقد العالم كله بخمول، تمتلك الممالك أهميّة ملابس الخياطات نفسها، وضفائر البنات الشقراوات تسيرفي الدوران المميت نفسه الذي تسير فيه صولجانات الإمبراطوريات. الكل هباء، وفي ردهة اللامرئي، الذي بالكاد تُظهر فيه بوابته المفتوحة، مواجهة باباً مغلقاً، ترقص، كل الأشياء التي شكّلت، بالنسبة إلينا وفينا، النظام المحسوس للكون.
الكلّ ظلال وغبار مزاح، ما من صوت غير عويل ما تذروه الرياح. ما من سكون غير ما تتركه الريح. بعضٌ، لأنه أخفّ، يصير ورقات خفيفة، تمرّ عالية عبر إعصار الردهة وتسقط بعيداً عن دائرة من هو أثقل وزناً. آخرون، مرئيون تقريباً، من الغبار نفسه، المختلف قليلاً لو رأيناه عن كثب فقط، يصنعون من أنفسهم سريراً في الدوامة. آخرون حتى الآن، عبارة عن منمنمات جذوع، سُحِّبوا دائرياً هُنا وهُناك.
ذات يوم عند معرفتنا بلأشياء، سوف تنفتح بوابة العمق، وكلّ ما كنّاه – زبالة من نجوم أم أرواح – سوف يكنس خارج البيت، لكي يعود ما هو موجود إلى البدء من جديد. القلب يؤلمني مثل جسم غريب. دماغي يَنوْ بكل ما أحسّه.
أجل إنّها بداية الخريف الذي يحمل إلى الجوّ وإلى روحي ذلك النور العبوس الذي يمضي مؤطِّراً بلأصغر الميت الاستدارة الملتبسة الواضحة في الساعة النقية، للنقصان الغفل لكل شيء. الخريف، أجل، الخريف الكائن أو الذي سيكون، والتعب المسبق لكلّ الحركات، والخيبة المسبقة لكل الأحلام.
ماذا يمكن أن أتوقع وممّ؟ الآن، أمضي، فيما أفكره بخصوص ذاتي، أمضي بين أوراق وغبار الردهة، في المدار أمضي بدونما شعور بأي شيء، صانعاً ضجة من حياة في البلاطات النظيفة التي تذهّبها بذهب الختام زاويةٌ في جهةٍ أجهلها.. كل ما فكرته، كل ما حلمته، كل ما فعلته أو لم أفعله – كل هذا – في الخريف يمضي […]
هي اللا طمأنينة التي عاشها فرناندو بيسوا، يأخذك معه، فتغدو حالك كحاله… متأملاً في معاني الحياة التي تتسرب من بين الأصابع ويغدو مشاورها فلسفة تبلغ في معانيها قمّة الإبداع الإنساني التي تعطي الحياة أبعاداً ربما أعمق وأسمى مما يتصوره إنسان.. وإلى هذا فكتاب اللا طمأنينة هذا هو قراءة جديدة.. سفر في فكر الإنسان … وفيما يستوعبه من لحظات وجوده.. نعمة هي في بعض الأحيان، وسعادة وفرح تلك اللحظات الاستثنائية التي عند اشراقاتها يسبّح كل من الروح والكينونة في وجودهما المطلق في السكون والنور.
كيف يمكن تقديم هذا الكتاب “اللا طمأنينة” نفسه؟ يمكن اعتباره مثل يوميات لن تحمل أيّة إشارة لتاريخ ما، يوميات بلا أحداث.. هو مدى لقدر مأساوي وفريد، يتسع لبعد الإنسانيّة جمعاء، موزون، حسب نفس المقامات الوجودي، حسب الإقامات التي تنفتح فيها نفسٌ ما للحيرة وهي تزرع ليل نهار الفضاء الموجود بين الحياة والموت….

د.ك7.5

Add to cart
Buy Now

Free

Worldwide Shopping

100%

Guaranteed Satisfaction

30 Day

Guaranteed Money Back

Top Img back to top