د.ك6.0
مجموعة الردود على الخوارج
الكتاب من تحقيق نعمة الله أبي كرم.
إن المواضيع العديدة التي طرقها القديس توما الأكويني لكثيرة الأهمية كما لا يخفى: وأنه ليتعذر على أي عقل بشري أن يستجليها جميعاً ويسندها إلى أدلة تزيل الريب وتستلزم الأذعان. لأن التعمق في درسها يقتضي له، فضلاً عن توقد ذهن نادر المثيل، وبراعة فطرية في تنسيق الأبحاث شغف بالحقيقية وجلد كثير من التنقيب والتفتيش. وقد وهب القديس توما فوق هذه كلها غيرة متقدة على نشر الحقيقة وإثباتها لا بين المسيحيين وحدهم بل بين جميع البشر ليستفيدوا من معرفتها ويسترشدوا بنورها متى عرفوها.
ولم يكتف المعلم الأكويني بأن شرح عقائد الديانة المسيحية ويدعمها بالحجج القاطعة المستمدة من الآيات المنزلة والتسليم الرسول ونور العقل قصد أن يثبت صحة تلك العقائد ويحمل المؤمنين على التشبث بها، بل خصص أيضاً قسماً من أوقاته لمحاجة غير المسيحيين ومناقشة فلاسفتهم وعلمائهم، ولا سيما العرب منهم كالفارابي وابن سينا وابن رشد والغزالي وسواهم إجلاء للحقيقة التي يرتكز عليها الدين مقتصراً على الأدلة المستفادة من العقل دون سواه مفرقاً بين غث آراء أولئك الفلاسفة وسمينها مفنداً ما فسد ومقراً ما صح ووافق.
ومن البديهي أن هذا العلم صعب سلوكه وأصعب منه التعبير عنه مما يدل على معانيه دلالة مطابقة لحقيقتها من كل وجه. فإن القديس توما متفرد ببلاغة أسلوبه وبعد نظره وسمو مذاكره يبرهن لك عن ذلك تباين الشروح التي علقت على تآليفه التي تتطلب من مترجمها وجوب استجماع الفكر والوقوف على دقائق تعليم الفيلسوف وآرائه ولا سيما في ما يتعلق بالفلسفة الطبيعية.
وليس كتاب “مجموعة الردود على الخوارج” الذي بين يدينا سوى أحد تلك التآليف امتاز بين مصنفات القديس توما بدقة المعاني وبلاغة التعبير، حيث حاول فيه تفنيد ونقد نظريات الفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد وعلماء الكلام على ضوء الفلسفة المسيحية. وبين يدينا ترجمة لهذا الكتاب عن اللاتينية هذا إلى جانب تعليقات وحواشي أثبتها المترجم وهو المطران نعمة الله أبي كرم الماروني.