د.ك4.0
مساهمة في إعادة كتابة التاريخ العربي الإسلامي
جل
تلعب العلوم الفلسفية والإجتماعية، وعلم التاريخ واحد منها، دوراً متعاظم الأهمية في تزويد الناس بنظرية علمية موضوعية ثورية مجربة عن تطور التاريخ والمجتمع، و تملينهم من النظر إلى التراث العربي، الإسلامي في حركته التاريخية واستيعاب هذا التراث بشكل جديد، وتوظيف هذا الإستيعاب الجديد في مجال تحرير الفكر العربي المعاصر من سيطرة التبعية للفكر الإستعماري وللأديولوجية البورجوازية.إن تربية الناشئة بروح العلم والديموقراطية والتقدم، وتكوين المواطن الواعي المرتبط بتراثه الفكري السالف إرتباطاً وثيقاً، يستدعي نضالاً فكرياً جباراً، وقد ظلت دراسات تراثنا الفكري العربي، الإسلامي بشتى صوره، منذ العصر الوسيط الذي صدر عنه حتى الحقبة الراهنة في عصرنا، ظلت رهن النظريات والمواقف المثالية والميتافيزيقية، أي النظر إلى منجزات التراث في إستقلالية مطلقة عن تاريخيتها بمعنى أن هذه النظرة، ظلت قاصرة عن كشف العلاقة الواقعية الموضوعية، غير المباشرة بين القوانين الداخلية لعملية الإنجاز الفكري وبين القوانين العامة لحركة الواقع الإجتماعي، ولذا بقي الفكر الإسلامي تاريخاً ذاتياً سكونياً أو (لا تاريخياً) لقطع صلته بجذوره الإجتماعية، أي بتاريخه الحقيقي الموضوعي.ولهذا فإن كتابة التاريخ العربي-الإسلامي من وجهة نظر موضوعية تقدمية هي أيضاً إحدى جهات الكفاح في سبيل هدم جميع البنى الفوقية للمجتمع القديم، ومد جسور التواصل بين العناصر التقدميةوالديموقراطية من تراثنا القديم، وهي العناصر التي ما تزال تحتفظ بضرورة بقائها، وبين العناصر والديموقراطية من ثقافتنا العصرية. إن علم التاريخ، ومنه تاريخ العرب يستند في إستنتاجاته إلى دراسة كميات هئلة من الحقائق التي جمعتها جهود أجيال كثيرة من العلماء، كما يعتمد على إنجازات في حقول المعرفة المشتركة والمواد التاريخية المساعدة. فالأثار المادية والمكتوبة تحتل المكتنة الأساسية بين المصادر التاريخيةالعديدة، ويقدم علم الآثار والمسكوكات بدراسة المصادر التاريخية المادية، كما تقوم علوم المصادر والمخطوطات القديمة وتسجيل التواريخ والتدوبولوجيا والجغرافية التاريخية والأتنوغرافيا، علم دراسة الشعوب، بدراسة المصادر المكتوبة.من ناحية أخرى، لقد ترك لنا الأخباريون والمؤرخون والرحالة والفقهاء والأدباء العرب، الإسلاميون في مؤلفاتهم مادة تاريخية غنية ومتنوعة، غير أن الغالب على تلك المؤلفات طابع التاريخ العام للأحداث أو الأشخاص أو أو البلدان حتى تكاد تكون المؤلفات المتخصصة بينها بتاريخ الظاهرات الفكرية بوجه عام، أو بظاهرة معينة بها تكاد تكون قليلة.إن الأحداث أو الحركات أو التيارات الفكرية تظهر في كتابات المؤرخين العرب – الإسلاميين بصورة تراكمات “صوتية” منفصلاً بعضها عن بعض، دون النظر إليها ضمن إطار تاريخي محدد، ومن ثم تفهمها في تفاعلها الحي وعلاقتها المتبادلة مع غيرها، أي دون رؤية العلاقات الداخلية التي تنتظمها لتشكل منها ظاهرة عامة، أو رؤية العلاقات الخارجية التي تنفعل وتتفاعل معها، أو رؤية التحولات الكيفية لتلك التراكمات الكمية.من هذا المنطلقتأتي هذه الدراسة التي تطمح إلى إعادة كتابة التاريخ العربي الإسلامي وذلك ضمن إطار رؤية علمية لحركة التاريخ نقترب من الخط الجوهري لمجرى لالظاهرات التاريخية في المجتمعات العربية الإسلامية في نشأتها وتطورها وحركة صيرورتها، وذلك في محاولة لبيان العلاقات الداخلية التي ساهمت في إثارة الأحداث التاريخية أو التيارات الفكرية في أزمان تاريخية متفاوتة والتي شكلت منها ظاهرة عامة.