د.ك7.0
مستوطنة لوشيرة الاسلامية وسقوطها
كو
في عِشرينِيّاتِ القرنِ الثّالثَ عَشَرَ، نَقَلَ فريدريك الثّاني مِن هِضابِ كابيتنتاتا، في مدينةٍ قديمةٍ تُدعى لوشيرة وعَرَفَها العربُ باسمِ لوجارة، عَشَراتِ الأُلوفِ من مُسلِمِي صقليَّةَ لاقتلاعِ نَواةِ المُقاومةِ في هذه الجزيرةِ، ووَطَّنَهُم في جنوب إيطاليا جاعلًا إيّاهُم طليعتَهُ المتقدّمةَ في مواجهتِهِ للدَّولةِ البابويَّةِ وللأَسيادِ المُساندِينَ لها، وحامِيتَهُ في القارةِ، ومنَحَهُم الأراضيَ المجاورةَ للوشيرة لأَعمالِهِم الزِّراعيَّةِ والجَوازاتِ لمُمارَسَةِ تجاراتِهِم، بِما جعَلَ لوشيرة في وقتٍ قصيرٍ مركزًا نشيطـًا حتّى إنَّها كانَت تُمَوِّنُ مدينةً كبيرةً كنابولي بقَمحِها المَشهورِ بِالجودةِ.
وبعدَ سُقوطِ الصّوابيِّينَ، أبقى شارل الأوَّلُ الأنجوفيّ مُسلِمِي لوشيرة على دِيانَتِهِم وحافَظَ على وَضعِهِم عَبيدًا في ملكِ الدَّولةِ، وانتفَعَ بِما كانوا يُنتِجونَهُ وبِالضَّرائبِ التي كانوا يُؤَدُّونَها، وكذلك فعلَ ابنُهُ شارل الثّاني المُسمّى بالأعرجِ، فقد واصلَ استغلالَ مُسلِمِي لوشيرة إلى أن عَجَزَ عن سدادِ دُيونِهِ فقرَّرَ في أغسطس مِن عامِ 1300 الاستيلاءَ على المدينةِ بالقُوَّةِ وبيعَ أَهلِها رقيقًا في مُختلفِ مُدُنِ جَنوبِ إيطايا، وصادَرَ أملاكَهُم لِجَنيِ المالِ الذي كانَتْ لَهُ إليهِ حاجةٌ مُلِحَّةٌ لِسدادِ دُيونِهِ.
ويَروي بيترو إيجيدي بدقَّةٍ قصَّةَ لوشيرة الأَليمةَ ومُعاناةَ أهلِها في مُحيطٍ مَسيحيٍّ مُتعصِّبٍ ومُناوِئٍ، استِنادًا إلى وَثائقَ غيرِ مَنشورةٍ وغيرِ مَعروفةٍ سابِقـًا استَمَدَّها من أَرشيفاتِ مُدُنِ جَنوبِ إيطاليا وصقليَّةَ، فأَبرزَ ظُروفَ مَعيشَةِ مُسلِمِي لوشيرة، والحِرَفَ التي كانوا يَمتَهِنونَها، والضَّرائبَ التي كانوا يُؤَدُّونَها، ورَدَّ عَنهُم التـُّهَمَ التي رُمُوا بها نَحو كَونِهِم ناهِبِينَ متعطِّشِينَ للدِّماءِ، وأَظهرَهُم بِمَظهَرِ الكادحِينَ المُسالِمِينَ والمُخلِصِينَ لِمَلِكِهِم فريدريك ومَن جاءَ بَعدَهُ مِن نَسلِهِ.
وقَد كانَ ميكيلي أماري عندَ إتمامِهِ دِراسَةَ تاريخِ مُسلِمِي صقليَّةَ يَأمُلُ أن يُواصلَ باحِثٌ آخَرُ دِراسَةَ تاريخِ لوشيرة الإسلاميَّةِ لتَكمُلَ بِذلكَ دِراسَةُ تاريخِ الحُضورِ العربيِّ في شِبهِ الجزيرةِ الإيطاليَّةِ، فبِهذا الكتابِ يكونُ بيترو إيجيدي قد لَبّى نداءَ أماري وقدَّمَ دراسةً نَفيسَةً عن مُسلِمِي لوشيرة ظَلَّتْ، ويا للأسف، غيرَ معروفةٍ إلّا قليلًا.