د.ك5.0
من طبخت العشاء الاخير: تاريخ العالم كما ترويه النساء
إن كان رجلاً، ألن يُخصَّص له يوم بين أعياد القدّيسين، ويصبح شفيعاً للطهاة المشهورين؟! أسئلة كهذا السؤال أوقعتني في المشاكل منذ أيّامي الأولى في المدرسة، حين بدا لي آنذاك أنّ التاريخ –مثل كلّ شيء آخر في العالَم– هو تاريخُ الذكور. كلّ مخطّطات «فجر التاريخ» في المدرسة الابتدائيّة، تُصَوِّر الرجلَ البدائيّ وهو يخطو بثقة إلى المستقبل، لكن دون أيّ أنثى ترافقه! الرجل – الصيّاد ضَمِن انتقالنا إلى أكلِ اللحوم وبالتالي زيادة حجم أدمغتنا، الرجل – صانع الأدوات نحتَ رؤوساً للرماح، الرجل – الرسّام اخترع الفنّ في الكهوف… إلخ. على ما يبدو، تسلّق «الرجل» شجرة التطوّر وحيداً نيابة عنّا جميعاً، ولم يخطر لأحد أنّ المرأة لعبت دوراً في ذلك، أيّاً كان! تتابعت العصور، وبالكاد ظهرت بعض النساء في المشهد. في مواكب التاريخ المبهرجة، المؤلّفة من الحروب والبابوات والملوك، شاركت النساء فقط عند فشل الرجال. جان دارك قادت الفرنسيّين بسبب عدم وجود رجال يتمتّعون بالمؤهّلات المطلوبة، والملكة إليزابيث الأولى حكمت إنجلترا بسبب عدم وجود وريث ذكر للعرش، بينما كانت البطلات اللّاحقات (كفلورنس نايتنغيل وسوزان. بي. أنطوني) معزولات نوعاً ما عن عالم الرجال، وعزلتهنّ هي شرط مسبق لتحقيق الشهرة. استشهاد جان دارك، وعذريّة إليزابيث، وعنوستهما الذكوريّة المتقشّفة، كلّها لم تستهوِ خيال البنت الصغيرة التي كنتُها آنذاك. النساء اللواتي حفظتْ كتبُ التاريخ أسماءهنّ نادرات… أين الأخريات؟! إنّه سؤالٌ ملحٌّ رفض أن يفارقني، ولذلك كتبتُ «من طبختِ العشاء الأخير؟» في محاولة للإجابة عليه، على الأقلّ بالنسبة لي. نقطة انطلاقي كانت سؤالَ غيبون –مؤرّخ الإمبراطوريّة الرومانيّة الشهير– الذي لا يقبل المساومة: «ما هو التاريخ؟ إنّه أقرب إلى سجلٍّ عن جرائم الرجال، وأخطائهم، ومصائبهم». أغراني التحدّي، «وأخيراً!» أعلنتُ بشجاعة، «اليدُ التي تهزّ المهدَ، أمسكتْ بالقلم كي تصحّح السجلات: هناك نساءٌ في التاريخ أيضاً!». بتلك الكلمات الشجاعة، صدرتِ النسخة الأولى من هذا الكتاب بثقة أكبر ممّا شعرتُ به في الحقيقة، لأنّني لم أعرف كيف سيستقبله القرّاء، لكن كما اتّضح لي، لم أكن الوحيدة التي يؤرّقها غياب النساء عن كتب التاريخ. احتفاء الجمهور بكتابي، فاق أحلامي! منذ صدور الطبعة الأولى تحت عنوان «تاريخ العالَم كما ترويه النساء»، طُبِع هذا الكتاب مراراً وتكراراً، وتمّت ترجمته إلى ما ينوف على الثلاثين لغة بما فيها اللغة الصينيّة مؤخّراً، وألهمَ سلسلة تلفزيونيّة وعرضاً منفرداً قدّمته امرأة، فضلاً عن الاقتباسات العديدة منه بلغات مختلفة، التي تغصّ بها شبكة الإنترنت.