د.ك3.5
موقف الأصولية الإسلامية القديمة من علوم الأوائل أغنتس غولتسيهر
تك
استمراراً للمشروع الذي عملت عليه دار الوراق بتقديم بحوثٍ وكتبٍ تسلِّط الضوء على مناطق مهمة من مساحة البناء الإسلامي الأولي وانعكاس ذلك البناء على الوضع الثقافي والفكري التي تعيشه الشعوب العربية والإسلامية في الوقت الحالي .
لقد تمّ اختيار هذا البحث المهم، الذي يسلّط الضوء على موقف الأصولية من تقبّل العلوم غير الإسلامية، وانعكاس هذا الموقف على التطوّر الفكري والعلمي في العالم الإسلامي .
كانت الحياة العامة خلال المئة والخمسين الأولى من تاريخ الإسلام الأولي ذات نمط حربي، حيث انشغلت السلطات بالفتوحات وبتثبيت حكم الأقاليم وأسلمت الشعوب المفتوحة ولم يثمر عن ظهور أفكار فكرية عميقة تشغل المجتمع الثقافي في ذلك الحين.
كان العصر العباسي الأول وبناء بغداد قد ساهم بظهور حركات ثقافية كبيرة وتلاطم أفكار نتيجة حملات الترجمة التي قام الخلفاء العباسيون الأوائل لها، لقد ساهم سكّان العراق وبلاد الشام الآراميون مساهمة كبيرة في تطّور هذا الفكر الحضاري، تمثّلت في عملية الترجمات من اللغات اليونانية والآرامية والفارسية والتي كان يجيدها سكّان تلك المنطقة إلى اللغة العربية ، فكيف مدينة مثل بغداد بُنيت عام 145 للهجرة أن تصبح عاصمة الشرق خلال خمسين عاماً لولا المخزون الفكري والثقافي والحضاري الموجود في تلك الأرض. يقول آدم ميتس: «بغداد، المدينة الإسلامية الأولى التي لم تتطوّر عن معسكر للجيش، وذلك بدون سياسة عربية داخلية وبدون مصالح للعائلات ومن دون تقاليد. هنا نمت طبقة وسطى جديدة كليّاً رسخت نتيجة القوة المركزية التي كانت تعيشها المدينة(دار الإسلام) بكاملها . لقد أنتجت تلك المرحلة التاريخية فكراً عقلانيّاً بُني على الموروث الفلسفي لحضارات بلاد الرافدين والفارسية والحضارة اليونانية. يقول بيرغل: «مع العلوم اليونانية دخلت إلى بيت الإسلام المقدَّس قدرة وثنية تستحق الاحترام أو أنها، حسب الموقف ، ذات بُعد خطير مهدّد . أدّت هذه العملية الى حدوث زلزال فكري لم تهدأ أمواجه إلَّا بعد مرور عدَّة قرون. ولكن في الوقت نفسه حدث هذا الاستقبال بفضل طموح الدوائر العقلانية والاهتمامات العلمية التي أرادت زيادة مقدرتها الذاتية عن طريق امتلاك الإرث اليوناني».