د.ك6.0
نزعة الى الموسيقى اوليفر ساكس
تك
من المعلوم أن الموسيقى تشكل أحد أهم المحددات الثقافية التي قد يشترك فيها جميع البشر بغض النظر عن الاختلافات الحضارية بين بلد وآخر وعلى الرغم من التغير الذي يطرأ على الموسيقى في عصور مختلفة، فإن أساسياتها وقواعدها العامة ما تزال هي عينها التي ابتدعها الإنسان قبل آلاف السنين، وما الاختلاف الظاهر سوى انعكاس للواقع الثقافي الذي يتم معايشته في كل عصر. ومن موقعه كمتخصص في علم الأعصاب يعرض لنا الطبيب “أوليفر ساكس” في كتابه المعنون “نزعة إلى الموسيقى” لجملة من الحكايات عن مرضى أصيبوا بحالات مختلفة من التفاعل غير الطبيعي مع الموسيقى، ومن خلال معرفته الواسعة والمتميزة يستكشف شاعر الطب الأول كما أسمته الـ “نيويورك تايمز”، المكانة التي تحتلها الموسيقى في الدماغ وكيف تؤثر في الحالة البشرية. وفي كتابه هذا يدرس ساكس قوى الموسيقى من خلال التجارب الفردية للمرضى، والموسيقيين، والناس العاديين ومن بينهم: جراح يصيبه البرق ويصبح فجأة مهووساً بشوبان، وأناس يعانون من عمى الموسيقى، وتبدو لهم أي سيمفونية مثل قعقعة القدور والمقالي، ورجلٌ تدوم ذاكرته سبع ثوانٍ فقط، لأي شيء باستثناء الموسيقى. يصف الدكتور ساكس كيف يمكن للموسيقى أن تحرك مصابين بداء باركنسون لا يستطيعون التحرك بغير ذلك، وأن تهب الكلمات لمرضى سكتات دماغية لا يستطيعون الكلام بغير ذلك، وأن تُهدِّئ وتنظم أناساً أفقدهم داء ألزهايمر أو الفصام حسّ المكان والزمان. يقسم الكتاب إلى مجموعة من الأجزاء الأساسية والتي تحوي فصول فرعية يقدم من خلالها “ساكس” عدد من الحوادث والحالات المرضية التي جعلت المصابين بها يتحولون من أفراداً عاديين في تفاعلهم مع الموسيقى إلى تفاعل استثنائي وفي بعض الأحيان إلى حالة الهوس الموسيقي، ليس استماعاً فقط ولكن أداءً وتأليفاً كذلك، وهو ما لم يعرف عنهم قبل إصابتهم بهذه الحوادث أو الأمراض. “نزعة إلى الموسيقى” كتاب مفيد وممتع في آن نتعرف من خلاله أن الموسيقى ليست مسألة حادثة في تاريخ التطور البشري، بل هي مرتبطة بتكوين الإنسان الفطري وقديماً قالوا الموسيقى غذاء الروح.