د.ك3.5
يوتوبيا/ اعمال خالدة 21
تعد «يوتوبيا» أكثر أعمال توماس مور شهرة وذيوعاً كما تكاد تكون الأولى من سلسلة الأعمال الأدبية الفكرية التي تقدم صورة متكاملة لعالم مثالي، تختفي منه شرور عالم الواقع، وتتحقق فيه أحلام الإنسانية بالسعادة والكفاية والعدل، وذلك في قالب روائي جذاب. أما فكرة العالم المثالي أو الفردوس الأرضي أو اليوتوبيا كما صارت تسمى منذ صاغ توماس مور هذه الكلمة، ففكرة راودت خيال الإنسان من قديم الزمان وتناولها الفلاسفة والمفكرون وقدموا لها صوراً مختلفة اتخذت الطابع الديني أحياناً والطابع الفلسفي أحياناً أخرى، وصيغت في قالب الحوار تارة وفي قالب القصة الخيالية تارة أخرى. ومن أمثلة ذلك «جمهورية» أفلاطون وكتاب «السياسة» لأرسطو، «وآراء أهل المدينة الفاضلة» للفارابي، و«مدينة الشمس» لكامبانيللا أما ما يميز «يوتوبيا» عن تلك الأعمال السابقة لها فهو الشكل الأدبي الروائي الذي قدم به توماس مور عالمه المثالي من ناحية وارتباطها بعالم الواقع ومشاكله ارتباطاً وثيقاً من ناحية أخرى. أما من الناحية الأولى فلم يركن توماس مور إلى تقديم أفكار مجردة أو عرض نظري لما يجب أن تكون عليه الدولة المثلى، كما فعل أفلاطون في جمهوريته مثلاً، بل قدم صورة أدبية لجزيرة مثالية ادّعى أنها حقيقة واقعة صادفها الروائي أثناء رحلاته وتركت في نفسه أثراً قوياً، فنقل صورة مفصلة لها، وربط بينها وبين عالم الواقع عن طريق الموازنة وإبراز أوجه الشبه والخلاف، فأرسى مور بذلك قواعد الرواية اليوتوبية التي نعرفها اليوم في أعمال هـ. ج. ولز (H. G. Wells) وألدس هكسلي (Aldous Huxley)، وجورج أورويل (George Orwell) مثلاً، والتي تعتمد – في سبيل تقديم مضمون فكري اجتماعي أو سياسي – على التشويق والتجسيم والإيجاء بأن العالم الذي يصفه الكاتب عالم واقعي موجود بالفعل – وإن كان هذا العالم الجديد لا يمثل في جميع الأحوال العالم المثالي المرغوب فيه. بل على العكس من ذلك قد تتمثل فيه مساوئ عالم الواقع بشكل مفرط وذلك على سبيل التحذير والتبصير بما يهدّد الإنسانية من أخطار، كما هو الحال في «عالم جديد شجاع» (Brave New World) لألدس هكسلي أو «1984» لجورج أورويل مثلاً.