د.ك5.5
كيف للطفل المضطرب دبليو توماس بويس
جل
يضع هذا الكتاب بين أيدينا نتاج عمل أحد أبرز الباحثين، ورائد من رواد الشؤون الصحية وطب الأطفال، هو البروفيسور توماس بويس الاختصاصي في الصحة السلوكية والتنموية، ورئيس قسم الطب التنموي في جامعة كاليفورنيا والذي يسعى من خلال كتابه لأن يمهد الطريق أمام الأهل، المعلمين، الأخصائيين والأطباء النفسيين، وأخصائي نمو وتطور الأطفال، للنجاح في التكيّف مع الأطفال “صعبي المراس”. إنه كتاب يروي تفاصيل الاكتشافات الثورية التي توصّل إليها مؤلفه فيما يخص نمو الأطفال والممارسات الوالدية نحوهم، ويقدم المفتاح لمساعدة جميع الأطفال لأن يجدوا السعادة وينجحوا في حياتهم. في كتابه «أطفالنا.. زهرات السحلبية والهندباء»، يُخبرنا الدكتور دبليو. توماس بويس عن الأطفال “الهندبائيين” الذين يتمتعون بـ (الصلابة والمرونة والصحة الوافرة)، القادرين على النجاة والازدهار في معظم الظروف. وعن الأطفال “السحلبيين” الذين يتَّسمون بـ (الحساسية والقابلية العالية للتأثر بالمحيط والهشاشة)، والذين عندما يتوافر لهم الدعم الملائم يغدو بمقدورهم هم أيضاً أن يزدهروا بقدر الأطفال الآخرين، إن لم يتفوقوا عليهم حتى. أمضى المؤلف أربعة عقود من حياته وهو يعالج الأطفال ذوي الاضطرابات. وقد جاء هذا الكتاب كتتويج لتلك المسيرة، حيث يقدم الدكتور بويس من خلاله يد العون لكل من فقد إيمانه بولده الذي انحرف عن الطريق القويم فوقع في براثن المخدرات، ارتكاب الجنح، الاكتئاب، العلاقات المدمرة، الاضطرابات النفسية، الإخفاق الدراسي، أو ارتكاب الجرائم. ويسرد المؤلف في كتابه هذا أهم ما توصل إليه في أبحاثه القيمة عن دور الجينات في تكوين طبيعة الإنسان، المتضافر مع دور البيئات المحيطة في تشكيل سلوكياته. وبدلاً من تحميل الجينات مسؤولية المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الفرد، قام بويس من خلاله بحثه الجريء بإعادة صياغة الطريقة التي ننظر بها إلى مواطن الضعف البشري، موضحاً كيف يمكن لجينات تسبب لصاحبها متاعب من قبيل: (قابلية الإصابة بالاكتئاب، القلق، اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه ADHA، والسلوكيات العنيفة والسلوك المعادي للمجتمع)، يمكنها بتوفر الوسط الملائم وأساليب التربية المناسبة أن تنتج أطفالاً أفضل حالاً، بل ويتفوقون على أقرانهم أيضاً. يصف لنا المؤلف في فصول الكتاب معنى أن تكون طفلاً سحلبياً؛ أن تعيش حياة حادة المشاعر، كثيرة التقلبات، تنبض تفاصيلها حيويةً على نحو يفوق ما يعيشه الطفل الهندبائي. فالأطفال السحلبيون غالباً ما يرون العالم مكاناً مخيفاً ذي تجارب ساحقة. من ناحية أخرى يحرص المؤلف أن يوضح لنا بأن السحلبيين ليسوا عبارة عن هندبائيين فاشلين البتة، ويمضي مبيناً للناس كيفية تقبل السمات التي يملكها السحلبيون على أنها مزايا يجدر الاحتفاء بها وتنمية قدراتهم وتعزيز مكامن قوتهم. ويخبرنا كيف أن تعاملهم مع بيئات متفهمة وداعمة سواء في المنزل أو في العمل، يساعدهم على الازدهار والتألق. أما الهندبائيون فيحرص بويس على ألا يبخسهم حقهم مؤكداً على أهميتهم التي أقرها جورج إيليوت حين وصفهم بأنهم: “الخير المتنامي في هذا العالم”، حتى في خضم صراعات الحياة وتحدياتها التي يتوجب عليهم مواجهتها. وفي طيات هذا الكتاب سنجد أيضاً حكاية عائلة الدكتور بويس التي يعرج عليها بالذكر غير مرة، وبشكل خاص أخته التي تعد ملهمته في مسيرته. الطفلة السحلبية التي قهرتها مآسي وأحزان عائلتها والتي كان بويس – بوصفه طفلاً هندبائياً – منيعاً تجاهها. وأخيراً، إثر طيّنا للصفحة الأخيرة من هذا الكتاب سندرك أنه تحت التقسيم العملي للبشر في فئتين: ”السحلبيون” و”الهندبائيون”، يمتد في واقع الأمر بينهما طيف مستمر ومتواصل من الحساسيات تجاه العالم، لكل فرد منا بلا استثناء مكانه الخاص عليه.