د.ك3.0

اساطير الالهة في بلاد الرافدين ناجح المعموري

ناجح المعموري، مؤلف هذا الكتاب، هو روائي وباحث عراقي، بدأ بكتابة القصص إذ اصدر بعض المجموعات القصصية، ومنها «الشمس في الجهة اليسرى»، ثم اتجه نحو الرواية فأصدر، عدة روايات من بينها «النهر»، و«مدينة البحر»، وتشير النبذة التي كتبت عنه في نهاية هذا الكتاب، إلى أن الكاتب تفرغ في السنوات القليلة الأخيرة للبحث والتنقيب في أساطير الشرق ومدلولاتها، وأبعادها، وخصوصا في التوراة، فأصدر عدة دراسات في هذا المجال، ومنها «موسى وأساطير الشرق»، و«الأسطورة والتوراة»، و«التوراة السياسي»، و«أقنعة التوراة»، و«ملحمة جلجامش والتوراة»، فضلا عن الكتاب، الذي نعرض له، والذي يحمل عنوان «أساطير الآلهة في بلاد الرافدين»، الصادر مؤخرا عن دار المدى (دمشق ـ 2006). لا يبتعد مضمون هذا الكتاب عن اهتمامات الكاتب، وخصوصا في مؤلفاته الأخيرة، فهو يواصل فيه البحث عن الأساطير التي سيطرت على العقول والوجدان في مراحل تاريخية موغلة في القدم، ويحدد إطارا محددا للبحث يتمثل في الأساطير المتعلقة بالآلهة، كما يحدد إطارا جغرافيا متمثلا في منطقة بلاد الرافدين، والمقصود بها، جغرافية عراق اليوم، ووفق هذا الموضوع المحدد جغرافيا ومعرفيا، يجول الباحث في تضاريس تلك الأرض التي أنتجت مقدسات عديدة، والتي شهدت حضارات متعددة كالسومرية والبابلية والآشورية، وكانت لكل حضارة من هذه الحضارات طقوسها وعاداتها، وثقافتها، ورموزها، ومقدساتها، وعن هذا العنصر الأخير أي «المقدس» يتحدث المعموري ليرسم صورة وافية عن الأساطير التي تتعلق بالآلهة، ومدلولات هذه الأساطير، وما ترمز إليه، وكيفية تطور هذه المعتقدات، وكيفية ظهورها لدى كل حضارة من الحضارات التي استوطنت بلاد الرافدين. كما يرصد طريقة انزياح المعاني المقدسة في كل منطقة ومكان. يقول الباحث في مقدمته« قادني ولعي بموضوعة الخلود في الأساطير وجمع المعلومات عنها الانتباه إلى أهمية مجمع الآلهة في الديانة القديمة»، الأمر الذي دفع الكاتب إلى متابعة حكاية هذه الآلهة و«تدوين المعلومات عنها، والعناصر المكونة لها، والوظائف المناطة بها، مع تحولاتها ومتغيراتها التي تحصل بشكل موضوعي بين المراحل الحضارية». ويبدأ المعموري بحثه بتوضيح مفهوم الدين إذ يورد تعريفا لماكس موللر يقول ان «الدين قوة من قوى النفس وخاصية من خواصها»، ويورد كذلك ما ذهب إليه المؤرخ الديني بنيامين كونستان الذي يرى ان «الدين من العوامل التي سيطرت على البشر، وان التحسس الديني من الخواص اللازمة لطبائعنا الراسخة، ومن المستحيل أن نتصور ماهية الإنسان دون أن تتبادر إلى أذهاننا فكرة الدين»، بينما يعتبر علماء الاجتماع ان «الدين من أهم القواعد التي قام عليها بنيان المجتمع البشري، وأنه قمة النماذج الخلقية المثالية التي تقبلها المجتمع لرسم العلاقات الاجتماعية على أسس إنسانية واقعية». ووفقا لهذه التعاريف فان الإنسان، ومنذ أن وجد على هذه الأرض، كان بحاجة إلى صنع إله يعبده، فحين يجد الإنسان نفسه وسط المخاطر والأهوال والكوارث فلا بد له من أن يلوذ بعنصر غيبي يحميه، ويقيه من الشر المحدق به، وهكذا اختلق آلهة كثيرة في شتى مواقع سكناه، وهذه الآلهة والأساطير التي نسجت حولها، تشكل محور الموضوع الذي يتناوله المعموري في كتابه، إذ يخوض، في البداية، نقاشا حول أصل الديانة في بلاد الرافدين، ويبرز الفوارق بين هذه الديانة والديانات المصرية القديمة وكذلك الديانة الاغريقية، ويبين كذلك الانقسامات والصراعات التي نشأت بين ديانات بلاد الرافدين نفسها، ليمهد بذلك أرضية مناسبة تقوده إلى تعداد أسماء آلهة بلاد الرافدين، ومعانيها، ومكانتها مخصصا لكل إله بحثا مستقلا، ومختصرا في آن. يبدأ المعموري كتابه بالحديث عن الإله «آنو» الذي يتصدر قائمة أسماء الآلهة، ولم تتوقف عبادته طوال كل تاريخ الديانة البابلية، حتى زمن السلوقيين، وبصورة خاصة في مدينة الوركاء، ويرى الباحث أن نسب «آنو» يرجع إلى «أبو»، أوقيانوس أو محيط العالم الأسفل، والى «تيامات»، العماء البدئي، وكان مقامه «السماء الثالثة»، أما حيوان «آنو» المقدس فهو الثور السماوي، وبالرغم من مكانته العالية لم يعتقد أنه محب للبشر بل كان الاعتقاد أنه إله الملوك والأمراء الذين اعتادوا أن يصنعوا أنفسهم على النقوشات بأنهم أحباء «آنو» الذي امتد حكمه على جميع الجنان، وتحترمه جميع المعبودات الأخرى بوصفه أبا لها، أي رئيسها، فكانوا يأتون إليه ملتجئين عندما يهددهم الخطر»، واتخذ «آنو» من أوروك مدينة له والتي يرقى تاريخها إلى حدود 3000 سنة قبل الميلاد، وهذا الإله جمع بين القوة والعدل، ويرمز له بالنجم المسمى «أوربابا» وهو الفهد. ونقرأ كذلك عن الإله «أنليل» الذي يعني في اللغة السومرية «سيد الريح والعاصفة»، وهو إله قديم جدا، وكان يعتقد أنه يقرر المصير، وهو الذي يراقب سير القانون ويعاقب المذنبين، ويرمز له بالنجم المسمى (ماجيدا) ويعني الدب الكبير، وتمتع مركزه في نيبور بمكانة متميزة، ولأنليل أسطورة معروفة ساهمت بتشكيل ما يسمى بـ «أساطير الدمار». باعتبار أنليل إله العاصفة المزمجرة أثناء هبوبها، فعندما «يسكن الهواء يكون أنليل في حالة هدوء ودعة واطمئنان، وإذا هب النسيم العليل فان أنليل يسرح ويمرح، وإذا هبت عاصفة فان أنليل في حالة حركة وانفعال، وإذا اشتدت العاصفة وثار الاعصار فان أنليل في حالة هياج وغضب»، أما الإله «مردوخ» فهو الابن الأكبر للإله «آيا»، وهو يمثل العمل المخصب للمياه، وهو الذي جعل النباتات تنمو والحبوب تنضج، ولذا كانت له صفة معبود زراعي. وقد تعاظمت أهميته بتعاظم بابل، مدينته المختارة، حتى احتل المكان الأول بين الآلهة، ويرفع معظم الكهنة التعازيم للإله «مردوخ» ليشفي المرض. ويفرد الباحث مساحة مطولة للحديث عن اشهر الآلهات في الميثولوجيا الشرقية وهي «عشتار»، وهي آلهة لها وزن في الميثولوجيا البابلية، وهي لدى عرب الجنوب إله ذكر، يقال له «عشتر»، وهي بنت «سين» وأخت «شمس»، وهي نجمة الصباح تارة، ونجمة المساء تارة أخرى، ويرمز لها بنجمة ذات ثمانية أشعة، منقوشة داخل دائرة، وظهرت هذه الآلهة بمسميات قريبة من عشتار في حضارات مختلفة، ويشير الباحث إلى أن اقدم نص مكتوب لاسم عشتار هو «اشدار» الآلهة الآكادية المقابلة للآلهة السومرية الأقدم «نيني» سيدة السماء. تظهر «عشتار» في التماثيل امرأة حسنة الوجه، ممتلئة الفخذين بإفراط وقد أمسكت ثديها بيدها على نحو ما كانت الآلهات الأم تصور في التماثيل لدى الشعوب القديمة إبان سيطرة الأم. وهي تسمى عند الإغريق بـ «فينوس». ويقول الباحث «لا يعرف بالضبط ماذا تمثل الآلهة عشتار، ويمكن حصر شخصيتها الإلهية في مزاج شرس حافظت عليه حتى النهاية، وكذلك في حبها وميلها الشهواني»، وقد امتزجت عبادتها أخيرا بالآلهة السومرية «أنانا» أو «أنينا». وتمثل عشتار المرأة بكامل معانيها، ولذا جمعت في لقبها وشخصيتها العديد من الآلهة، ولهذا السبب كرمت بعد «آنو» في مدينة الوركاء، وهي آلهة مقربة من الرجال كمنقذة ومحبوبة، وكانت رهيبة مع أعدائها باعتبارها إله الحرب، وقد وصفت بنعوت منها «بطلة»، و«سيدة الفرد ضد الآخر في المعارك». ويرد اسم عشتار كثيرا في الميثولوجيا البابلية وخصوصا في قصص الطوفان وملحمة جلجامش، وتكشف عشتار عن مظهرين متميزين: فهي من ناحية إلهة الحب والتناسل وترتبط بمعابدها تلك الصبايا المقدسات اللاتي يعرفن باسم «البغايا المقدسات»، أو «مومسات المعبد»، وهي من ناحية ثانية إلهة الحرب وخصوصا في آشور. ولها معابد كثيرة في مدن آشور، وبابل، وبلاخ، ونينوى، وأور، وأربيل، أما مركز عبادتها الرئيسي فهي أوروك، وهناك إله وثيق الصلة بعشتار وهو الإله الآكادي «تموز» واسمه السومري «دموزي» ومعناه «الابن الحقيقي»، وتظهر عشتار تك
كسيدة في التراتيل والصلوات، وهي اصل الكون، ومبدأ الأشياء، عماد الحياة في شكلها كآلهة للحكمة الأنثوية، وهي تتخذ ألقابا شتى فهي «أنيتا» أي سيدة الرؤيا وسيدة الظلام وواهبة الحكمة للبشر، وهي «معات» سيدة الحقيقة عند المصريين، وهي سيدة النبوءة التي تتحدث بلسان عشتار البابلية فتقول «بكل اكتمالي أتجلى، فأعطي النبوءات للبشر». تلك هي بعض ملامح الكتاب الذي يتحدث كذلك عن الإله «تموز»، وعن الإله «أدونيس»، وعن الإله «آشور»، وعن الإله «أورورو»، وعن الإله «داكان»، وعن الإله «آداد»، وعن الإله «ننورتا»، وعن الإله «أمورو»، وعن الإله «نابو»، وعن الإله «نركال»…وغيرهم من الآلهة التي عنت لشعوب الشرق القديم الكثير من المعاني والدلالات، بل أن هؤلاء نسجوا حولها الكثير من القصص والأساطير والخرافات التي يتوقف الباحث عند بعض منها، غير أن البحث، ولاشك، اعمق وأوسع من أن يختزله كتاب، وهذا ما يقر به المعموري الذي يعتبر كتابه إسهاما بسيطا في موضوع يتطلب المزيد من الدراسات والأبحاث.

د.ك3.0

Add to cart
Buy Now
Category: Tag:

Free

Worldwide Shopping

100%

Guaranteed Satisfaction

30 Day

Guaranteed Money Back

Top Img back to top